باقة الإعلان الدستوري بقلم ضياء عزت
في وسط أحداث ساخنة وردود أفعال ساخطة وتجاهل رئاسي لحادث قطار أسيوط (لم يذهب لمكان الحادث، ولم يتقدم بالعزاء لأسر الضحايا ولم يأمر بتعويضات مناسبة) ولما يحدث في شارع محمد محمود (السكوت على تعامل الداخلية القذر في مواجهة المتظاهرين لدرجة تسببت في مئات الإصابات والإعتقالات العشوائية ووصولاً لدرجة الموت.. بغض النظر عن إتفاقنا أو إعتراضنا على التظاهرة).. ووسط تطلعات بإعادة هيكلة المؤسسات خاصةً الداخلية القضاء وتوقعات بإقالة رئيس الوزراء ووزير الداخلية ومطالب بتدخل الرئيس لتوفيق أوضاع الجمعية التأسيسية للدستور.. خرج علينا الرئيس محمد مرسي بإعلان دستوري تعامل فيه بسياسة الباقة "الباكيدج".. حيث وضع بعض المواد المرفوضة وسط مواد أخرى تُعد من مطالب الثورة (مع بعض التحفظات).. وقبل الخوض في مواد الإعلان الدستوري وتفنيدها إليكم بعض الملاحظات:
** خلى الإعلان الدستوري تماماً من أي شيء يشير لنية الرئيس في إعادة هيكلة مؤسستي الشرطة والقضاء.
** لجأ الرئيس إلى حشد جماعته ودعوتهم للتظاهر عند دار القضاء العالي لتأييد قراراته قبل معرفة تلك القرارات أصلاً.. وبغض النظر عن تلك الحشود التي تؤيد شيء غير معلوم ولا موجود ( وإن كانوا يعلمون فهذه مصيبة أخرى.. لأنه بذلك إختص جماعته _وهو رئيس كل المصريين_ بمعرفة قراراته أولاً).. فإن ما يهمنا هنا هو كيف لرئيس جمهورية أن يحشد الجموع لتأييد قراراته.. مما يعتبر حقاً قراراً غير مسئولاً بالمرة.. فماذا لو خرجت جموع أخرى غير راضية عن هذه القرارات (وهو المتوقع)؟.. عندها ستحدث جمعة غدر جديدة والله وحده يعلم كيف ستكون النهاية.
**يوجد بالمادة الثالثة شبهة تفصيل مادة تتيح للرئيس الإطاحة بالنائب العام عبد المجيد محمود مما يصور الأمر على أن مرسي "ينتقم" من النائب الذي رفض قرار إقالته سابقاً.
** عند انتقال السلطة التشريعية للرئيس محمد مرسي قال بالحرف الواحد في 23 سبتمبر 2012 :" لن استخدم التشريع إلا في أضيق نطاق وذلك في الأمور العاجلة مثل مشروع التأمين الصحي وحق الإختيار في الثانوية العامة ".. مما يتعارض تماماً مع هذا الإعلان الدستوري.. ويضع مرسي في موقف الكاذب أو المنافق.
** وضع الرئيس معارضيه في خانة " أقبلوا بهذه المواد أو ضيعوا حق الشهداء والقصاص لهم".. وقد بدأت جماعته في الترويج لهذه الفكرة ونشرها بالفعل.
ننتقل لمواد الإعلان الدستوري مع التعليق على كل مادة على حدة:
_المادة الأولى: تعاد التحقيقات والمحاكمات فى جرائم القتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين وجرائم الإرهاب التي ارتكبت ضد الثوار بواسطة كل من تولى منصبا سياسيا أو تنفيذيا في ظل النظام السابق وذلك وفقا لقانون حماية الثورة وغيره من القوانين.
مع الموافقة التامة على هذه المادة والتي تعتبر من مطالب الثوار الرئيسية وبالرغم من تأخرها كثيراً.. إلا أنني أراها جاءت ناقصة فقد قصر قضية قتل المتظاهرين على كل من تولَّى منصباً سياسياً أو تنفيذياً في عهد النظام السابق.. ماذا هنا عن البلطجية والطرف الثالث؟.. وهل توجد نية في الحث عنهم والقصاص منهم؟.. كما أننا نعلم أن هناك كثير من الشهداء سقطوا بعد سقوط النظام السابق.. كل هؤلاء ماذا عنهم؟ .. إذاً هذه المادة ينقصها التعديل والإضافة
_المادة الثانية: الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 30 يونيو 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية.
لن أتحدث هنا عن السلطات الإلهية ولا عن الديكتاتورية المطلقة ولكن سألفت انتباهكم إلى التاريخ المذكور في المادة (من 30 يونيو 2012).. وأُذكركم بقرارين مهمين اتخذهما الرئيس منذ ذلك التاريخ وتراجع فيهما.. الأول: عودة مجلس الشعب، الثاني: إقالة النائب العام.. فأما الثاني وجد له مخرجا فماذا عن الأول؟.. أتسائل هنا وأريد إجابة صريحة من الرئيس هل بموجب هذه المادة سوف يعود مجلس الشعب المنحل؟
_المادة الثالثة: يعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب ويشترط فيه الشروط العامة لتولي القضاء وألا يقل سنه عن 40 سنة ميلادية ويسري هذا النص على من يشغل المنصب الحالي بأثر فوري.
نتفق جميعاً أن إقالة النائب العام مطلب رئيسي للثوار وسوف يسعدهم ويثلج صدورهم أن يذهب عبد المجيد محمود إلى مزبلة التاريخ ولكن..
تحدثت سابقاً عن شبهة تفصيل المادة.. ولن اُكرر كلامي ولكني هنا سوف أُعلِّق على نقطة مهمة وهي أن الرئيس جعل منصب النائب العام بالتعيين وجعل هذا التعيين من سلطاته وحده.. وهذا شيء مرفوض تماماً وكنا نعاني منه ونطالب بإلغائه سنوات طويلة في ظل النظام السابق.
_المادة الرابعة: تستبدل عبارة تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، بعبارة تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ثمانية أشهر من تاريخ تشكيلها الواردة في المادة 60 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011.
أي أن الرئيس هنا قام بمد عمل الجمعية التأسيسية للدستور شهرين آخرين.. وهنا يحضرني سؤال واحد.. لماذا هذا الإصرار على التقيد بموعد زمني محدد لإنجاز الدستور؟
إنه دستور مصر بعد الثورة والذي من المفترض أن يظل دزن تعديل أطول فترة زمنية ممكنة قد تمتد إلى عشرات السنين.. أي أنه يجب أن يُكتب بكل تأني وأن تتوافر فيه شروط أكثر أهمية بكثير من مسألة الفترة الزمنية.
_المادة الخامسة: لا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور.
وفي هذه المادة أجد عجب العُجاب فبدلاً من أن يوفق الرئيس أوضاع الجمعية التأسيسية أو أن يجعلها منتخبة نجده يصدر أمراً بتحصينها.. وبصراحة لا أجد أي تبرير للرئيس في هذا القرار المخزي حقاً.. واُذكِّره هنا بوعده الذي قطعه على نفسه في إجتماعه بالقوى الثورية في الفيرمونت قبل أن يصبح رئيساً رسميا بإعادة التوازن في الجمعية التأسيسية.. أين هذا الوعد يا سيادة الرئيس؟.. ام أنك قد اعتدت أن تخلف الوعد؟!
أما عن تحصين الشورى فهذا بالتأكيد مهزلة بكل المقاييس ولا أجد تفسير له سوى أنه يحمي أعضاء جماعته النواب في مجلس الشورى.
_ المادة السادسة: لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها أن يتخذ الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة هذا الخطر على النحو الذي ينظمه القانون.
أتسائل هنا.. ما نوعية هذه الأخطار ومن هم الخطرون على ثورة يناير؟، وأتسائل أيضاً سؤالاً مشروعاً لابد من إجابة واضحة صريحة عنه.. ماهي هذه الإجراءات والتدابير؟.. هل ستأمر سيادتكم مثلاً بنزل القوات المسلحة للشارع مرةً أخرى؟.. أم أنك سوف تعيدنا إلى قانون الطوارئ بشكل مُـقـنَّع؟
_المادة السابعة: ينشر في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ صدوره.
Comments
Post a Comment