قصه القتال الصامت – اللواء طيار محمد عكاشه
من
المجموعه القصصيه الرائعه – قصر في الجنه
بقى ده كلام يا
أبو الحسن. أسيب فرح أختي ! مش أنت عارف إن مالهمش غيري.
الرائد رجائي والرائد عصام قالوا تروح تجيبه، لأن فيه عملية ما حدش يقدر
يعملها
غير الرقيب محمد عبده موسى.
أقول للناس دى إيه ؟
تحججت
للمهنئين وكانوا كثيرين كعادة الأفراح في الأحياء الشعبية، بأن هناك تدريب مهم
سيحضره رئيس الجمهورية. بعد ساعة كنت أقف انتباه مشدودا أمام الرائد عصام الدالي
قائد ثان المجموعة39 قتال.
معلهش يا أبو حميد بس لما تعرف المهمة المطلوبة حا تقدّر وتسامحني.
كانت
المهمة هي استطلاع مطار الطور على الشاطئ الغربي للبحر الأحمر، حيث بدأت طائرات
هليكوبتر إسرائيلية تنطلق منـه لتهاجم صعيد مصر ليلا فـي مناطق قنا ونجع حمادي.
لذلك قررت القيادة مهاجمة المطار وتدميره.
-
طبعا يا محمد أنت عارف قد إيه الخطورة لأنك حا تستطلع لوحدك، يعني إحنا مش حا نقدر
نقدم لك أي معونة بعد ما تنزل الناحية الثانية، لكن إحنا عارفين محمد وقدراته
وكفاءته وإنك قد المهمة دي.
انصرفت
مشتعل الحواس مـن الكلمات التي سمعتها، وبدأت من أمام باب المكتب أفكر فـي الخطوات
والمعدات اللازمة للتنفيذ، حتى أنـي اصطدمت بالرائد رجائي عطية الذي داعبني.
إيه يا أبو حميد أنت حا تتكعبل من دلوقت، أوعي تعملها هناك، تتكعبل يا موت يا أسر.
تعالى أعزمك على شاي.
معلهش يا فندم عايز ألحق أجهز نفسي.
تم تجهيز
جلباب عربي وصيديري يماثل زي البدو في المنطقة وطبنجة علاوة على 2 قنبلة يدوية
وخنجر وكاميرا لتصوير الموقع. بدأت في رسم خط السير الذي سأتبعه حيث أني أحفظ
تماما الدروب الجبلية في جنوب سيناء. تعرفت على محمد مبروك الدليل الذي سيوصلني
إلى الشاطئ الآخر، كان سجينا لكن تم الاستعانة به لخبرته وكفاءته العالية في
البحر. كذلك سعد مزينة من القبيلة التي تسكن المنطقة، الذي سيؤمن تحركي في أرض
العدو وتوفير الإعاشة. وتغطية مكاني أثناء الاستطلاع. عند نقطة الانطلاق من خليج
جبل الزيت صليّت ركعتان وودّعني الرائد رجائى وداعا حارا وصادقا.
في البحر
بدأت في التحدث مع سعد عن طبيعة الأرض ونقط المبيت وخط السير، اكتشفت أنه شخص قليل
الكلام شديد الحرص، كان طبيعيا أن أكون أشد منه حرصا وألا أثق فيه ثقة تامة إلا
بعـد أن أختبره في أكثر مـن موقف. وصلت المركب التي تقلنا إلى جزيرة بجانب مدينة
الطور قبل أخر ضوء فانتظرنا قليلا ودخلنا إلى الشاطئ بعد أن حل الظلام عند قرية
الصيادين.
كان القمر
ساطعا مكتملا، ظاهرة المد والجذر على أشدها، حتى لا نترك أثر لأقدامنا
تقدمنا إلـى الشاطئ لمسافة 300متر حبوا علـى الركبتين والكوعين، ووصلنا إلى
منطقة الأشجار والبئر القديم.
قمت
باستطلاع المنطقة وتأمين مكان الإقامة وشرحت لسعد كيفية التخاطب بيننا بالإشارات
وأن يكون على بعد500 متر مني. قررت أن نستريح بعد العشاء على أن أنام ثلاث ساعات
في خور عمقه متر تكفي لاستعادة نشاطي، ثم ينام سعد وأقوم أنا بالحراسة ليلا. صليّت
الفجر ثم تسللت إلـى موقع المطار حتى أصبحت علـى بعد100 متر منه، أشرقت الشمس
تفقدت المنطقة بحرص شديد حتـى لا يتم رصدي مـن قبـل وحدات مراقبة العدو. هالني ما
رأيت، المطار كان قبل 1967مجرد أرض هبوط لطائرات النقل الخفيفة، أصبح الممر طويلا
مغطى بالأسفلت وبرج مراقبة ومباني ومخازن منتشرة.
سجلت كل ما
شاهدته كتابة ثم قمت بالتقاط صور من عدة نقاط وبزوايا مختلفة لكل شبر في المطار
بداية بالممر والطائرات الرابضة على الأرض والمنشئات وبطريقة مسلسلة حتى يمكن عمل
بانوراما كاملة بالصور للمطار وما حوله. بدأت الحركة تدب حولي، ربضت ساكنا في
مخبأي حتى قبل الغروب بساعة، وانطلقت أستكمل باقي التصوير للمنطقة. كان نجاحا
باهرا فمن هذه الصور يمكن عمل ما كيت للمطار.
فوجئت وأنا
أنسحب بعربة جيب تقترب نحوي يقودها رقيب إسرائيلي، الموقف لا يسمح أن اختبأ، لن
أقع أسيرا، نزعت تيل الأمان للقنبلة وأمسكتها بيدي اليسرى مغطاة بالكوفية جاهزة
للانفجار، وقف يسألني.
أنت يعمل إيه؟؟ فين هوية بتاعك ؟
ناولته
البطاقة شارحا له أنني أؤمن شحنة مخدرات إلى مصر وكانت إسرائيل تشجع هذا. نظر إلي
بشك واحتفظ بالبطاقة. أمرني بالمرور عليه بمكتبه بعد ساعتين. تنفست الصعداء وأعدت
تأمين القنبلة. كانت الساعة الثامنة مساء وعلي أن أنسحب بالكنز الذي في حوزتي
لتوصيله بأمان. تنقلت من نقطة إلى أخرى حتى وصلت إلى نقطة البداية بأمان.
صباح اليوم
التالي رأيت على البعد جملا قادما نحوي وفوقه أعرابي من المنطقة. أصدرت تعليماتي
لسعد باعتراض القادم ومعرفة هويته، انتظرت حتى بدأ بينهما الحوار وانقضضت عليه
شاهرا سلاحي فأجابني متلهفا.
_ لا تخاف
أنا صديق، أبلغ قائد مخابرات الغردقة أنني نفذت ما كلفني به. كنت مرتاب في هذا
الشخص، وقد أخبرني أن عليّ مغادرة المكان، ترك لنا بعض الأطعمة الإسرائيلية
وغادرنا متجها ناحية المطار. تأكد شكي فقـد أخبرني سعد أن هذا الأعرابـي عميل
مزدوج، يستخدمه الإسرائيليون كدليل لكشف الساحل باحثا عن أي أثار غريبة. انتابني
القلق على ما معـي من معلومات وأحسست بنذير الخطر. بدأت صباح اليوم التالي استكمال
مهمتي بتصوير الساحل والمناطق الإدارية وقياس المسافات بينها. رجعت لنقطة اختبائي.
في الظهيرة
كنت أتحدث مع سعد ووضح لي أنه مخلص ومحب لمصر كثيرا، قطع حديثنا صوت عربات قادمة
نحونا. أمرت سعد بالتوجه إلى نقطة اختباؤه وقفزت أنا إلى تجويف البئر القديم،
مستعدا بقنبلة والطبنجة في يدي. اقتربت العربات وهبط منها الإسرائيليون يفتشون
وسمعت أصواتهم بالعبرية التي أعرفها.
فين هو هذا المصري اللعين، نبحث عنه من مساء الأمس ولا أثر له.
الواضح أنه رجع لأننا فتشنا كل شبر.
كنت أتلو
آيات من القرآن، سمعت خطوات تقترب نحوي، وحدث مالا يخطر على بالي، جاء الجندي
الإسرائيلي فوقي مباشرة ليؤدي نداء الطبيعة، أغرق البول رأسي ووجهي ثم ابتعد وغادروا
المكان، خرجت من مخبأي مشمئزا، لم يكن أمامي إلا أن أدفن رأسي ووجهي في الرمال.
توضأت وصليت ركعتين شكرا لله على نجاتي من هذا المأزق. تأكدت شكوكي في أعرابي
الأمس فهو الذي أبلغ عني بالتأكيد، قررت البقاء مكاني لفترة.
استأنفت
نشاطي لمدة ثلاثة أيام أخرى استطلعت خلالها وادي فيران وأبورديس تجنبت خلالها
الدوريات الإسرائيلية التي نشطت في البحث عني. عشت هذه المدة على خبز يصنعه سعد
على الشمس وبعض من الكمون والشطة والملح، أما النوم ففي العراء متواريا خلف صخرة
أو في حفرة، أتخذ الحذاء وسادة وأستلقي. كان لابد أن أعود بهـذه المعلومات حتـى
تكلل المهمة بالنجاح. كانت تعليماتي إلى مبروك ريّس اللنش أن يحضر إلى نقطة
الالتقاط بعد أسبوع في الأيام الزوجية، ونفذ ما طلبته وعدت أنا معه وتركت سعد الذي
احتضنني بحرارة ومقدرا ما قمت به. والغريب أني وجدت مبروك أيضا متلهفا وسعيدا بسلامتي
رغم أني لم ألقاه هو أو سعد إلا يوم بدء المهمة.
كان اللقاء
بقادتي شيء أعجز عن وصفه، فرحة طاغية بوصولي سالما زادت بقراءة الصور التي
أحضرتها.
أنا قلت العملية دي ماحدش يعملها غير محمد عبده.
حمد الله على السلامة يا بطل. اليهود كانوا بيدوّروا عليك في كل شبر.
التقطنا إشارتهم للبحث عنك على اللاسلكي، بس مفيش مجال نساعدك.
المهم أنزل أنت أجازه دلوقت، وسيبنا نحضر للي جاي.
عدت إلى
منزلي وفي أحد أمسيات الإجازة بينما كنت مع أصدقائي على القهوة قطع الراديو إرساله
المعتاد ليذيع بلاغ عسكري
قامت
قواتنا المسلحة مساء أمس بمهاجمة مطار الطور وأهداف في منطقة أبورديس، وقد أوقعت
فيها خسائر فادحة بالحريق والتدمير والتفجير للمباني والمعدات علاوة على عدد كبير
من القتلى والجرحى الإسرائيليين.
Comments
Post a Comment