شاهد قبر مؤذن الرسول وتعرف على حياته الشاقة وصبره على ألوان العذاب
اشتاقت الجنّةِ إلى ثلاثة: إلى علي، وعمّار وبلال".. هذا
ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما دخل الجنة فسمع خشفةً بين
يديّ، فقال: يا جبريل ما هذه الخشفة؟ قال: بلال يمشي أمامك.
كان
بلال ابن رباحة الحبشي "شديد السمرة، نحيف، مفرط الطول، لم يكن يسمع كلمات
المدح والثناء توجه اليه، كان ينحني في رأسه تواضعاً لله ودموعه على خده
قائلاً: "إنما أنا حبشي كنت بالأمس عبدا".. فعليك رحمة الله يا مؤذن أشرف
الأنبياء والمرسلين.
عاش
بلال ابن رباحة الحبشي أبو عبدالله عبداً من عبيد قريش، ونال جميع أنواع
العذاب من قبل سيده أمية الذي شد "كرباج" العذاب عليه عندما أشهر إسلامه،
ليبتاعه سيدنا أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين ليطلقه لوجه الله
ويحرره، رحمة لتعذيبه، وذلك مقابل ثلاث أواق من الذهب نظير أن يترك بلالا،
فقال أمية لأبي بكر الصديق: فواللات والعزى، لو أبيت إلا أن تشتريه بأوقية
واحدة لبعتكه بها، فقال أبو بكر: والله لو أبيت أنت إلا مائة أوقية
لدفعتها.
اشتهر
بلال بصوته العذب الخلاب الجميل، ليقوم سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم
بتكليفه بمهمة الآذان، وكانت أمة إحدى جاريات بني جمح الكائنين بمكة
المكرمة.
ووفقاً لكتاب "حياة محمد"
للدكتور محمد حسين هيكل فإن يوم إسلامه كان رسول لله وأبو بكر معتزلين في
غار، إذ مرّ بهما بلال وهو في غنمِ عبد بن جُدعان، فأطلع رسول الله رأسه من
الغار وقال: يا راعي هل من لبن ؟ فقال بلال: ما لي إلا شاة منها قوتي، فإن
شئتما آثرتكما بلبنها اليوم فقال رسول الله :إيتِ بها.
فجاء
بلال بها، فدعا رسول الله بقعبه، فاعتقلها رسول الله فحلب في القعب حتى
ملأه، فشرب حتى روي، ثم حلب حتى ملأه فسقى أبا بكر، ثم احتلب حتى ملأه فسقى
بلالاً حتى روي، ثم أرسلها وهي أحفل ما كانتْ
ثم
قال: يا غلام هل لك في الإسلام؟ فإني رسول الله فأسلم، وقال: اكتم إسلامك
ففعل وانصرف بغنمه، وبات بها وقد أضعف لبنها، فقال له أهله: لقد رعيت مرعىً
طيباً فعليك به فعاد إليه ثلاثة أيام يسقيهما، ويتعلّم الإسلام، حتى إذا
كان اليوم الرابع، فمرّ أبو جهل بأهل عبد الله بن جدعان فقال: إني أرى غنمك
قد نمت وكثر لبنها؟ فقالوا: قد كثر لبنها منذ ثلاثة أيام، وما نعرف ذلك
منها! فقال: عبدكم وربّ الكعبة يعرف مكان ابن أبي كبشة، فامنعوه أن يرعى
المرعى، فمنعوه من ذلك المرعى!!.
ومن كتاب "عبقرية محمد"
للعقاد فإن الصحابي بلال نال كافة أنواع العذاب فكانوا يطرحونه فوق نار
شمس الصحراء الملتهبة وهو عريان، ثم يأتون بحجر متسعر كالحميم ينقله من
مكانه بضعة رجال ويلقون به فوقه، ويصيح به جلادوه: أذكر اللات والعزى
فيجيبهم: أحد...أحد.
واذا
رحلت الشمس أقاموه، وجعلوا في عنقـه حبلا، ثم أمروا صبيانهـم أن يطوفوا به
جبال مكـة وطرقها، وبلال لا يقول سوى: أحد...أحد.. قال عمار بن ياسر: كلٌّ
قد قال ما أرادوا -ويعني المستضعفين المعذّبين قالوا ما أراد المشركون-
غير بلال ومرَّ به ورقة بن نوفل وهو يعذب ويقول: أحد...أحد فقال: يا بلال
أحد أحد، والله لئن متَّ على هذا لأتخذنّ قبرك حَنَاناً (أي بركة)،
قال
الرسول: إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد أعطيَ سبعة رفقاء نُجباء وزراء، وإني
أعطيتُ أربعة عشر: علي وحمزة وجعفر والحسن والحسين، وأبو بكر وعمر والمقداد
وحذيفة وسلمان وعمار وبلال وابن مسعود وأبو ذر.
توفي
بلال في الشام مرابطا في سبيل الله كما أراد ودفن تحت ثرى دمشق سنة عشرين
للهجرة، ويوجد قبر ومدفن ومقام للصحابي الجليل بلال بن رباح في دمشق، كما
انه في المملكة الأردنية الهاشمية يوجد ضريح له في حي الفقراء في منطقة
وادي السير. حينما أتى بلالا الموت، قالت زوجته: "وا حزناه فكشف الغطاء عن
وجهه وهو في سكرات الموت وقال : لا تقولي واحزناه، وقولي وا فرحاه ثم قال :
غدا نلقى الأحبة، محمدا وصحبه".
Comments
Post a Comment