شخصيات تاريخيه من عائله ناصف الليثي رئيس الحرس الجمهوري السابق


الليثي ناصف هو قائد الحرس الجمهوري في عصر الرئيس المصري محمد أنور السادات ، مات أو قتل أو إغتيل في شقة بالعاصمة الإنجليزية لندن. وسيلة الموت كانت السقوط من النافذة أيضًا
الفريق «الليثي نـاصف» بقلم د. مصطفي الفقي ٩/ ١٠/ ٢٠٠٨
في الصباح الباكر لأحد أيام صيف 1973 كنت قنصلاً لمصر بالإنابة في العاصمة البريطانية واتصل بي المرحوم الدكتور «عبد الغفار خلاَّف»، المستشار الطبي للسفارة المصرية في لندن ليبلغني بسقوط الفريق «الليثي ناصف» قائد الحرس الجمهوري السابق والسفير المصري المرشح لدولة اليونان من شرفة الشقة التي يقيم بها في برج «ستيوارت» بمنطقة «ميدافيل»، وأن الفريق قد توفي بالفعل فور ارتطامه بأرض الشارع، وأن البوليس يطوِّق المنطقة،
كما بدأ توافد بعض الصحفيين إرضاءً للفضول الإعلامي بسبب أهمية الفريق الراحل، فتوجهت علي الفور إلي مكان الحادث، وما إن وصلت وصعدت إلي الطابق الحادي عشر، حيث كان يقيم، وجدت المشهد الحزين لأرملته وابنتيه، وكان واضحًا أن عنصر المفاجأة الأليمة قد أطاح بتوازن رفيقة حياته، التي كانت تبكي في حرقة، وتطالب بدفنه بعد الاتصال بالملك «حسين» عاهل الأردن والملك «الحسن» عاهل المغرب لأنهما من سلالة النبي قالب:صلي.
وتضيف السيدة الحزينة التي تنحدر من أصول تركية واضحة أن هناك مؤامرة هي التي أودت بحياة الفريق «الليثي ناصف»، ورددت كثيرًا أنه تم الخلاص منه بسبب اعتزازه الشديد بالرئيس «عبدالناصر» حتى إنه أطلق اسم «هدي» و«منى» علي ابنتيه تيمنًا بابنتي الرئيس الراحل، وظلت السيدة المكلومة تتحدث بطريقة تلقائية أقرب إلي الهذيان منها إلي الكلام الواضح.
عندئذٍ وصل السفير «كمال رفعت» سفير مصر لدى المملكة المتحدة حينذاك والوزير المفوض «نبيل حمدي»، فحاولت زوجة الفريق الراحل إجراء مكالمتين تليفونيتين مع «عمَّان» و«الرباط»، ولكنها لم تنجح في ذلك حتى وصل ابنها الكبير من زواجٍ سابق لها، والذي كان يبكي بطريقة غير مسبوقة ويقول: «إن الفريق هو الذي رباني بعد وفاة والدي، فهو أبي الحقيقي».
وهذا يدل علي شخصية «الليثي ناصف» النقية الطيبة، ولقد علمت يومها أن الفريق وأسرته قد انتقلوا إلي هذه الشقة قبل الحادث بيوم واحد، وأنها مملوكة لابن أحد المسؤولين في رئاسة الجمهورية المصرية وشريكه الراحل «نور الدين السيد» قائد «تنظيم ثورة مصر» الذي توفي بالسجون المصرية منذ سنوات قليلة.
وقد بدأت إجراءات التحقيق في الحادث للتفرقة بين احتمالات ثلاثة أولها أنه سقوط لا إرادي، لأن الفريق كان يعاني ضمورًا في المخ ولا يستطيع الاحتفاظ بتوازنه مع طول قامته، والاحتمال الثاني هو الانتحار، وهو احتمالٌ يكاد يكون معدومًا لمن يعرفون الفريق وإيمانه وخلقه.
أما الاحتمال الثالث فيحوم حول الشبهة الجنائية بقذف الفريق من الشرفة من الدور الحادي عشر في برجٍ عرف فيما بعد حالاتٍ مماثلة، منها سقوط الفنانة المصرية الشهيرة «سعاد حسني»، ولقد اهتم الرئيس السادات كثيرًا بالحادث وكان رئيس الديوان الجمهوري السيد «حافظ إسماعيل» يجري اتصالات يومية معنا في لندن لمتابعة التحقيق البريطاني في الحادث.
وجري إيفاد كبير العائلة المرحوم «النبوي ناصف» وهو والد صديقي اللواء «نبيل» الذي عمل سنواتٍ في الأمانة العامة لمجلس الشعب بعد انتهاء خدمته في مباحث أمن الدولة والذي تربطني به صلة تمتد إلي أكثر من خمسةٍ وثلاثين عامًا كما حضر أيضًا الدكتور «صلاح سليمان» ابن أخت الفريق وهو أستاذ «السمعيات» الشهير بجامعة عين شمس.
ولكن الجانب البريطاني احتجز الجثمان قرابة أسبوعين كاملين لمزيدٍ من التحقيقات، وعقد جلسة حضرتها في المحكمة بالنيابة عن القنصلية المصرية وجرى فيها الاستماع إلي أقوال ابنته الكبري «منى» وكانت فتاة عاقلة وهادئة، كما استمع إلي أقوال شاهد عيان كان يقف في شرفةٍ قريبة من شرفة الفريق حيث رآه وهو يترنح بجوار حافة شرفته حتى اختل توازنه وسقط مرتطمًا بأرضية الشارع.
عندئذٍ وافقت السلطات البريطانية علي الإفراج عن جثمان الفريق ليجري دفنه في وطنه عبر موكبٍ حزين توديعًا لقائدٍ عسكري تميزت حياته بالشرف والنزاهة واحترام الشرعية، فهو البطل الحقيقي لانقلاب 15 مايو ١1971 الذي جري فيه اعتقال خصوم الرئيس «السادات» ليستقر له الحكم وتستتب له الأمور وكأنها «مذبحة القلعة».
ولكن دون إراقة دماء، فلقد التزم «الليثي ناصف» بقسم الولاء لرئيس الجمهورية وتصرف كما يتصرف الكبار احترامًا للمنصب وتمسكًا بالشرعية الدستورية، ولكن يبدو أن من يرى الكبار في لحظة ضعف فإن إبعاده يصبح مطلوبًا في كل الظروف!
ولقد تناولت الغداء ذات مرةٍ مع الفريق «الليثي» قبل وفاته بأسبوع تقريبًا علي مائدة القنصل العام السفير «محب السمرة»، ولاحظت أن ذلك القائد العسكري هادئ الطبع رقيق الخلق يمثل نموذجًا للعسكري المحترف، الذي لا تبدو له صلة بالسياسة من قريبٍ أو من بعيد، وبرحيله طويت صفحةٌ غامضة من صفحات التاريخ المصري المعاصر، رحم الله «الليثي ناصف» ابنًا بارًا للوطن ونموذجًا محترمًا للعسكرية المصرية.

Comments