المشير محمد عبد الغني الجمسي.. مهندس العبور



المشير الراحل عبد الغنى الجمسى

يعد المشير محمد عبد الغني الجمسي واحدًا من أبرز القادة العسكريين وواحدا من أبطال حرب أكتوبر التي خاضتها القوات المسلحة لاسترداد كامل تراب مصر، ساهم بأفكاره ومجهوداته العسكرية في تطوير الجيش المصري ورسم بقلمه تفاصيل الحروب التي خاضتها البلاد مستخلصا منها الدروس والعبر.

اشترك في كل الحروب العربية الإسرائيلية باستثناء حرب فلسطين عام 1948 التي كان خلالها في بعثة عسكرية خارج البلاد وتقدم باستقالته من القوات المسلحة عقب هزيمة مصر في يونيو 1967 إلا أن استقالته قوبلت بالرفض ليشارك بعدها في حرب أكتوبر ويكون مهندسها.

بطل العبور
ولد محمد عبد الغني في التاسع من سبتمبر عام 1921 في قرية البتانون بمحافظة المنوفية شمال مصر لأسرة ريفية ميسورة الحال تتكون من خمسة أشقاء، التحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1939 في سلاح المدرعات.

 تلقى الجمسي عددا من الدورات التدريبية العسكرية في كثير من دول العالم، ثم عمل ضابطا بالمخابرات الحربية، فمدرسا بمدرسة المخابرات. كان يدرس التاريخ العسكري لإسرائيل الذي كان يضم كل ما يتعلق بها عسكريا من التسليح إلى الإستراتيجية إلى المواجهة.

عين عبد الغني الجمسي رئيسا لهيئة العمليات للقوات المسلحة في يناير عام 1972 للاستعداد لحرب أكتوبر ويعتبر الجمسي من معدي خطة العبور خلال الحرب وله دراسة أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات "كشكول الجمسي". وفي ديسمبر 1973 تم تعيينه رئيسا لأركان للقوات المسلحة خلفا للفريق سعد الدين الشاذلي ثم وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة في ديسمبر 1974 وحتي أكتوبر 1978.

نظرة تحليلية
كان للمشير الجمسي نظرة تحليلية متفحصة للأمور، خاصة في التعامل مع الإسرائيليين سواء في فترة الحرب أو فترة ما بعد الحرب، فدائما ما كان يرى الجمسي أن العرب ينظرون للإسرائيليين نظرة قاصرة غير دقيقة، وأنهم كانوا دوما مستعدين للحرب معنا، بينما نحن العرب لم نكن على درجة الاستعداد المطلوب.

وعن هزيمة يونيو 1967 يقول: "بدأت أحداث 67 بمعلومات غير صحيحة عن حشد للقوات الإسرائيلية على الحدود السورية للاعتداء عليها، ترتب عليها مظاهرة عسكرية في مصر تحولت إلى حرب حقيقية لم تكن مصر والدول العربية جاهزة لخوضها بينما كانت إسرائيل على استعداد لها".

ويضيف: للخروج بالدروس المستفادة من حرب يونيو 1967، لابد من إلقاء نظرة عليها لأننا -نحن العرب- مازلنا نعيش بعض أثارها القائمة، فقواتنا المسلحة اشتركت في حرب 67 وحرب 73 ضد نفس العدو، واختلفت النتيجة اختلافا واضحا بين الهزيمة والنصر..وأغلب الرجال الذين اشتركوا في حرب يونيو هم الذين اشتركوا في حرب أكتوبر بفاصل زمني حوالي ست سنوات، ولا يمكن أن يقال أن جيلا حل محل جيل. وأن الموقف الاستراتيجي العسكري في أكتوبر 73 كان أصعب منه في حرب 67، وبرغم ذلك فقد عبرت قواتنا الهزيمة وحققت النصر في ظروف سياسية وعسكرية أعقد مما كانت في يونيو 1967.

مفاوض شرس
  
اختار الرئيس الراحل أنور السادات الجمسي قائدا للمفاوضات مع الإسرائيليين بعد الحرب بعد أن رُقي إلى رتبة فريق أول مع توليه منصب وزير الحربية عام 1974 وقائد عام للجبهات العربية الثلاث عام 1975.

كان المشير عبد الغني الجمسي من أذكى وأقوى القادة الذين حاربوا إسرائيل على الإطلاق، وحتى في مباحثات السلام -الكيلو 101- كان من أشرس القادة الذين جلسوا مع الإسرائيليين على مائدة المفاوضات.

في يناير 1974 وعندما أخبره كيسنجر بموافقة الرئيس السادات على انسحاب أكثر من 1000 دبابة و70 ألف جندي مصري من الضفة الشرقية لقناة السويس، رفض وسارع بالاتصال بالسادات الذي أكد موافقته ليستكمل التفاوض غير راض عن قرار السادات.

أثناء توليه وزارة الحربية واصل الجمسي استكمال تدريبات الجيش المصري؛ وكان قرار السادات بألا يخرج كبار قادة حرب أكتوبر من الخدمة العسكرية طيلة حياتهم تكريما لهم، إلا أن السياسة أفسدت هذا التكريم؛ فقد تزايدت مساحة الخلاف بين الجمسي والسادات بعد مبادرة الأخير بالذهاب إلى إسرائيل عام 1977.

وتطورت الأحداث بما أدى لخروج الجمسي من وزارة الحربية عام 1978، واختلف الناس حول أسباب هذا الإبعاد، ولكن ظل السبب الأرجح هو رفض الجمسي نزول الجيش إلى شوارع مصر لقمع مظاهرات 18 و19 يناير 1977 الشهيرة، وكان قرار قبوله التقاعد بناء على طلب الجمسي،

تغير اسم وزارة الحربية بعد ذلك إلى وزارة الدفاع. إلا أنه رقي عام 1979 إلى رتبة المشير، وحين خرج للحياة المدنية كان أول قرار له هو رفض العمل بالسياسة، وظل محافظا على ذلك، وكان دائما ما يردد: إن الرجل العسكري لا يصلح للعمل السياسي، ولزم الجمسي الصمت سنوات طويلة حتى رحل في صمت بعد صراع مع المرض دام لسنوات وكان ذلك في السابع من يونيو عام 2003 عن عمر يناهز 82 عاما.

Comments