رحت أفتش عن "ابن الحرام" الإرهابي فوجدت 1000 فقيرا





تقمصت دور المفتش "كورومبو" وقررت مساعدة أجهزة الأمن في البحث عن الإرهابي "ابن الحرام" الذي نكر على المصريين معيشتهم وأضاع فرحتهم باستقبال العام الميلادي الجديد وأفسد عليهم ليلة رأس السنة.
فانطلقت منذ الصباح الباكر وقد امتطيت دابتي المتهالكة التي يطلقون عليها مجازا "سيارة" ورحت أتفحص الوجوه وأدقق النظر في الأجساد حتى كدت أتهم بالمعاكسة والتحرش فلم أحص سوى بضع بشر في كل شارع خرجوا سعيا للقمة العيش فيما انتشرت قوات الأمن بشكل يجعلك تعتقد أننا في العراق لا قدر الله.
وخلال جولة البحث عن خبر أو نميمة أقصها على قرائنا وقعت عيناي على مشهد غريب استوقفني حيث لمحت مئات البشر وقد اصطفوا على أسوار إحدى الشركات الكبرى بميدان البعوث، شمال العاصمة المصرية القاهرة.






لا أخفيكم في البدء اعتقدت أنهم مواطنين جاءوا ليعبروا عن أسمى معاني الوحدة الوطنية ينظمون وقفة تضامن أو شيء من هذا القبيل الذي نراه كثيرا في مثل هذه الأيام العصيبة، أو أنهم أهل خير جاءوا للتبرع بدمائهم مثلا استجابة لإحدى حملات وزارة الصحة التي نادرا ما تلقى مردودا إيجابيا.
وحين دفعني الفضول المعروف عن كل من ينتمي لبلاط صاحبة الجلالة، واستفسرت عن سبب وقوفهم عرفت ،ويا لهول ما عرفت، إنهم أناس اصطفوا قبل مطلع الصبح وتحملوا صقيع الجو القارص وشبورة الشتاء التي تلهب الصدور ليحصلوا على مساعدة مالية تتراوح قيمتها من 25 إلى 50 جنيها تقوم هذه الشركة بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين.
وهنا بدأت معالم الصدمة تقترب أكثر فأكثر، حيث شاهدت فتيات في عمر الزهور وشباب يقاسي وحشة البطالة وكلاهما يئن من آلام العنوسة وهم يقفزون فوق الأسوار العالية للحصول على تلك المساعدات التي ربما لا تكفيهم لأكثر من يوم.






ووجدت نساء يحملن أطفالهن تبدو عليهن علامات حسن الأصل والنسب فهن لسن محترفات تسول وقد تركن منازلهن وأزلن عن وجوههن مساحيق الكسوف والإحراج التي لم تعد تجدي نفعا ورحن يحاولن البحث عن أي وسيلة لسد جوع فلذات أكبادهن.
وعلى الرصيف جلس رجال تعتلي وجوههم ملامح الخصخصة والتشريد واليأس من العثور على فرصة عمل جاءوا ليحصلوا على بضع جنيهات لعلهم يعودون لأبنائهم ومعهم بعض الطعام الزهيد والخبز المدعم.
وعندما أقدمت على ارتكاب حماقة، من حماقاتي التي لا حصر لها، واقتربت لسؤال أحد الرجال المنتظرين عن رأيه في التفجير الإرهابي الذي ضيع على المصريين فرحتهم بالعام الجديد بادرني بإجابة لم أكن أتوقعها حين قال، يا بخت اللي ماتوا في الحادثة دي، يا بيه في بلدنا دي اللي بيموت بيرتاح يمكن اللي وراه بيتشردوا لكن إذا كان وجوده مثل عدمه فأهلا بالموت.






وبنعومة الفازلين اقتربت من شاب وسألته عن رأيه فيمن نفذ هذه الجريمة البشعة حصلت على إجابة بسيطة وتلقائية لكنها ربما تقهر فلسفة أفلاطون وسقراط حيث تعجب ممن يتهم جاره المسلم بتفجير كنيسته لسبب بسيط جدا، من وجهة نظره أن الفقر والاحتياج أخرج الجميع من ملته وبات المواطنون لا يفكرون إلا في قوت يومهم.
وببساطة شديدة أسأل إخواننا المسيحيين ما الذي سيدفع الإنسان المسلم الفقير لتفجير كنيسة أو حتى معبد، وحتى المسلم الغني ما الذي يضيره من وجود الأقباط فأنا أتعجب ممن يسارعون لاتهام المسلمين بارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة.
أما إحدى السيدات التي جلست تنتظر مساعدة أصحاب القلوب الرحيمة فحين سألتها عن هذا التفجير فكانت إجابتها معبرة أيما تعبير عن الواقع الذي يعيشه ملايين المصريين حيث قالت ببساطة.. انفجار إيه غير اللي احنا فيه.






وهنا لم أستطع مواصلة مهمتي البوليسية بعد أن تذكرت قائمة الطلبات العريضة التي مطلوب مني توفيرها وإلا لن يسمح لي بدخول المنزل فترحمت على المفقودين ودعوت بالشفاء للمصابين وانصرفت بخفي حنين متخليا عن مهمة البحث عن "ابن الحرام" الإرهابي وقررت البحث عن "إبن الكافر" الفقر.

Comments